مطالب مثيرة لهيئة " أنذال" تصنع العرف الشعبي الانتخابي
كريم المحروس
K_almhroos@hotmail.com
تمتلك حكومات وأحزاب البلاد المتقدمة زمام المبادرة القانونية والأخلاقية لدفع مواطنيها إلى ممارسة حقوقهم وواجباتهم الانتخابية الوطنية ،وتسعى في ذلك إلى بذل أقصى الجهود بمساهمة من قبل مؤسسات المجتمع المدني لتوظيف الوسائل الإعلامية والدعائية المتنوعة بلا حدود والى حد التخمة ؛ على أمل أن ترتفع نسب المشاركة في الانتخابات. وفي اغلب الأحيان لا تصل نسبة المنتخبين إلى اكثر من60% من عدد المواطنين المؤهلين عمريا .
وإذا ما بحثنا عن أسباب هذه "الظاهرة" وصعود الخط البياني لمظهر عزوف المواطنين عن المشاركة ونكوص هذه النسبة ؛ سنجد أن الغالبية المثقفة في هذه البلاد لا تشكو اضطرابا سياسيا حقيقيا ولها من المبررات ما يؤكد استنادها إلى الحماية القانونية والعرف التنافسي المكفول وتوافرهما على دفع معنوي عماده الوقائع التاريخية وتطور التراث السياسي للبلاد . فلا خشية واضطراب أبدا مما ستؤول إليه نتائج الانتخابات وهي سواء في السلب أو الإيجاب .
ومادام القانون والعرف يحفظان للمواطن سيادته على كل مصادر القرار ؛ فإن نتائج الانتخابات في مظهرها ولبها ستبعث في النهاية على السكينة والوقار في عالم السياسة وإلا فالهزيمة النكراء ستكون من نصيب من يتعدى هذه السيادة أو يخرق بعدا قانونيا أو عرفيا من أبعادها، فهذه مسلمة من المسلمات الحضارية التي لا تقبل التجاوز وان سمحت ببعض المناورات.
وإذا ما شئنا النظر والملاحظة الفجة إلى بلادنا ؛ فلا قانون ولا عرف يصنعان الاطمئنان الانتخابي في ذات المواطن وإن هيئ لذاته ولرهطه سبل الكسب بأقصى إمكانياته وجهوده وتضحياته السياسية والاجتماعية والاقتصادية. وإذا ما تنزلنا والقينا ببصرنا أقصى مناطق جزيرتنا البائسة لنحيط أذهاننا علما بمجريات السياسة في الشأن الانتخابي وقصص الترشيح وموضوعاتها وأشخاصها فالمصيبة اعظم.
في اكثر من مجلس لقاء ضروري مع الأصدقاء القدامى والجدد أشار بعضهم إلى "معلومة شائعة" أفادت بأني عازم على ترشيح نفسي في الانتخابات لمنطقة سكني في المنامة ، وهو الأمر الذي استهجنه وان حز في نفسي بعض الشيء وزادني أسفا على طلاب الترشيح والانتخاب ومن يتلقى الشائعات بلا دراية أو يثيرها بقصد معرفة النوايا والاطلاع على منتهاها بلا اضطلاع ووعي يزيدان في المعرفة أو العلم المنتج ، وفاتهم بأني لازلت أمثل فكر جيل الثمانينات القديم الذي يطمع في الحرية كاملة لا منقوصة ولا يهوى السياسة ولا يميل إلى هواها ، وافتخر كل الفخر بهذا الفكر لأنه القادر الوحيد على صناعة القانون والعرف السياسي المثالي بعون الله تعالى ، وان لم يوفق لصناعتهما في مرحلة ما فإنه بكل يقين لن يصنع القانون والعرف الهزيلين أو التابعين لأهواء قوى المصالح الذاتية وأهواء التسلط والقدرة.
والى جانب هذه "المعلومة الشائعة" أو محاولة أحدهم ممن لا أرى فيه بسطة في العقل والمعرفة لكسبي إلى جانب مشروعه السياسي الفج الذي أوصلنا إلى خيار الانتكاس في قعر النار عوضا عن قبول العار ؛ أحسست في لحظة عابرة بسعادة غامرة بعدما التقيت بطفل في منطقتنا " النعيم" على قارعة الطريق قال لي وهو يشير لبقايا شعار قديم على جدار بيت أحدهم: شوف ويش مكتوب..."البرلمان هو الطل" . والحال أن الشعار المكتوب هو " البرلمان هو الحل". فهل صنعت لنا شعارات البرلمان وتضحياته قانونا وعرفا يبعث في أنفسنا الاطمئنان والسكينة إلى الحد الذي تتساوى عنده مشاركاتنا الانتخابية أو العدول عنها لعوامل ترجع في غالبيتها إلى المستوى العظيم من الرفاه والبحبوحة الاقتصادية التي ننعم بسيادتها على أطراف سواحل هذه الجزيرة؟!.
لا أعرف كيف تبادر إلى ذهن هذا الطفل هذه الكلمات بعد حوادث مضى عليها زمن طويل تلاحقت فيه النكسات حتى بات أحد زعماء تلك المرحلة السياسية المأساوية يردد حينما يسأل يسيسألئل عن مبررات الدخول في الانتخابات الراهنة: "أن المتأخر عن الانتخابات البرلمانية القادمة زاهق ، وإننا نسعى "لركضة طوارئ" فنلحس ما تبقى من "الكيكة" التي وعدنا" . وهنا اذكر هذا الزعيم أن نصه هذا يذكرني برفيق له ردني بكل فخر وثورية في لقاء ودي بعدما قلت له :"فإن عادوا" ، فقال: فإن عادوا عدنا. والحال: أن لا عودة له ولا رجعة ولا أفق يستمطر منه مراده القديم، فبريق خشب البخور قد حطم خلايا أنفه وقد استيقن طريق الحق ولكن لا خيار له الآن إلا الجحود.
أحدهم من رواد نادي "انتخابات الإنقاذ" أيضا قال لأخر منتظر: "أن الواقف عند مرحلة ما قبل الميثاق قد انتهى عهده اليوم ولا مكان له في مجريات الاستحقاقات الراهنة ، وصار حديثه اليوم اجترارا سلبيا لأحوال الماضي ، وفيه ميل للدعة والراحة على حساب مسؤولية المشاركة في بناء الوطن ؛لأن السياسة هي القبول بالجزء وان فر الكل بعد الطلب". وأظن أن مثل هذا القول فيه الكثير من الصحة إذا ما قيس بمقاييس سياسة خلفاء واتباع الدولتين الأموية أو العباسية!. ولا اشك بأن جهتين تلتقيان على محور من هذا القول: رسمية ومعارضة ، على ما بينهما من تنافر وتجاذب تميل بهما يمينا ويسارا أضواء القصور مرة والهيبة الجماهيرية مرة أخرى.
وإزاء كل هذا الوضع سمعت في مرات عدة وفي عدد من المحافل المختلفة أن خيارا مهما يجب أن يطل على ساحة الانتخابات إن كنا مخلصين بحق لهذا الوطن ونتأمل خلاصه من الأزمات. ويشير هذا الخيار إلى وجوب الالتزام بـ(جعل الشعب مصدر السلطات جميعا) عبر اعتماد أسلوب سياسي فني جديد عليه أن يسود في كل مناطق البحرين ودوائرها الانتخابية ومؤكد على مشاركة شعبية مستقلة على غير المشاركة التقليدية المعتمدة رسميا.
ويتصور هذا الخيار على هيئة لجان شعبية مستقلة مرضية من قبل كل من يحق له الانتخاب تؤدي دور التعريف بمستوى كل مرشح مستقل أو تابع يرغب في تمثيل أهالي دائرته في البرلمان القادم من حيث كفاءته واستعداده لأداء دور برلماني حقيقي معارض لا موالي. ويأتي هذا التصور في مقابل أداء الجمعيات السياسية التي تمثل دور الوصاية على الناس ، ولا يكفي أيضا أن يكون المرشح مستقلا أو تابعا لجهة رسمية ظاهرا أو مستترا حتى يحق له الترشح، ولأن معايير القانون أو حتى العرف الرسمي الجديد إن وجدت بعض أشكالها الخائرة فهي لم تثبت شفافيتها وصدقيتها ونزاهتها بعد التجربة الكارثة في إعلان دستور بلا مؤسسة تمثيلية أو استفتاء يضفيان عليه شرعيته، ولأن كل العملية الانتخابية قد رسمتها ظروف سياسية قاهرة جرت معها مواقف لا تعدو أن تكون مواقف إنقاذ وطوارئ.
إن هذا التصور الموصوف بـ"المناسب" لتطوير الأداء الشعبي السياسي في مقابل الإخفاق المعارض في تمثيل إرادة الناس أو ترسخ مبادئ الوعي الديني السياسي بينها بحاجة إلى الكثير من الحرص والانتباه . فقد لا تتقبله الجمعيات السياسية ، وقد تعتبره "هيئة أنذال" - كما في الوصف الساخر في مقالة حسين المحروس - وخرقا لوظائفها ومهامها القانونية وتراثها النضالي ، وقد تلجئ بازائه إلى توظيف الإرادة الحكومية المتشائمة من أي أداء شعبي جديد مستقل مرشح لبلورة جهات اكثر تشددا ، خصوصا وان الجمعيات السياسية قد أعلنت برنامجها السياسي لخوض الحملات الانتخابية وسمت بعض مرشحيها لبعض الدوائر ، ولكني على يقين بأن أي أداء شعبي مستقل بعد هذه الردة ويستقي من الديمقراطية لبها في النظام لا عقائدها وميولها في التمثيل الإلهي على أرض البحرين؛ قادر على صناعة العرف السياسي الواعي والممهد للتمثيل الديمقراطي الحقيقي في ظل غياب القانون المتشرع والمنصف والعادل. |