الأطفال يلعبون وقلوب الأمهات تخفق في الجنوب
من لبنان-
بضعة أمتار فقط هي التي تفصل منطقة الرميش عن )بنت جبيل( التي ذاع صيتها إبان المواجهات الشرسة التي دارت في لبنان.
الأولى، لا تخال انك في الجنوب الذي تعرض الى دمار كبير، فلا ترى اي حجر مردوم ولا حائط مقصوف ولا مظهر من مظاهر الحزن ولا الاستنفار، فحتى العاصمة بيروت تشعرك بأنك في مازلت في الحرب، فالناس مازالوا خائفين، أهالي الرميش كانوا يجلسون في الكنيسة، البعض ممن سألناه من منطقة (علما الشعب) والتي يسكنها خليط من الأهالي قالوا عنهم أنهم كانوا يتعاونون مع الصهاينة (العهدة هنا على الراوي).
تنتهي هذه القرية الصغيرة فتدخل عيتا الشعب ومن ثم بنت جبيل.
عيتا الشعب لا يمكن ان تصف ما حل بها بأنه دمار فقط، فالدمار كلمة صغيرة لوصف ما وقع على هذه البلدة.
ما إن وصلنا إليها وعلموا ان شابان بحرينيان برفقة شاب سعودي دخلوا البلدة آمنين حتى استقبلونا بحرارة تنم عن طيبة أهالي هذه القرية، لا يوجد شيء تستطيع ان تجلس عليه غير تلك الحجارة الكبيرة التي تبقت من منازل يقال انها كانت تحتوي على خمس طوابق او تزيد، عائلة أبت الا ان تقدم لنا شيء من الطعام او الشراب، بعد ان سألوا عن أهل البحرين وقالوا انهم يحبون البحرين وأهلها، فقدموا لنا ثمر الصبار لم يكن معهم إلا هو، فتبين إنهم عاشوا في هذه البلدة المنكوبة 23 يوماً دون ان يجزعوا، ما عساهم ان يفعلوا في منطقة حل عليها الدمار؟ أنهم كانوا يعجنون الخبز ليقدموه الى المقاتلين، تسير خطوات فترى مستوطنات إسرائيل، حاجز لا يفصله إلا 100 متر او أكثر بقليل، فأي احتلال لعيتا الشعب يتحدثون؟
جلس معنا شاب ضمن العائلة التي استضافتنا، كان طويل القامة، شعر لحيته معتدل ليس بالكثيف، قليل الحديث، سألته هل بقيت في عيتا الشعب أثناء المواجهات، تبسم قليلا واطرق برأسه، ففهمت حينها انه لا يريد الجواب، وفهم زملائي انه ليس موجود في القرية أساساً أثناء الحرب.
استأذن الشاب وانصرف، لتشير إليه أصبع أحد الكبار في السن وقال بأنه من مقاتلي حزب الله.
أعلام دولة قطر ترف في هذه البلدة فسألناهم عن السبب، فتبين ان وفداً قطرياً كان هنا ونقل المساعدات لهم، نعم أنهم في أمس الحاجة الى المساعدة.
ما يلفت النظر اليه هو ذاك الولاء المطلق للمقاومة في هذه البلدة، لا يعرفون الكثير عن السجال السياسي في بيروت ولكن ما يعرفونه انهم موعودون بالجنة، وان تمسكهم بحزب الله هو النجاة من النار، لذلك لم يأبهوا بالدمار، وحزب الله بدأ بدفع تعويضاته، إنها 10 آلاف دولار للعائلة وربما أكثر بقليل ، أما الأطفال، فهم يلعبون بالحجارة، رغم ان قلوب الأمهات تخفق عليهم من اللعب والسبب هي القنابل العنقودية التي وزعتها إسرائيل كهدايا للأطفال قبل مغادرتهم.
أما الطفل حسن فكان بيده علبة من الأكل، والناس متجمعون من حولها، يا ترى ما بهذه العلبة لكي يتجمعوا عليها؟
وصلنا عندهم فتبين انه بقايا علب الأكل التي كان يقتات عليها الجنود الاسرائيلين، علب من الحمص، والزيتون، وسمك السردين، وغيرها كتب المحتوى عليها باللغة العبرية (الإسرائيلية).
وقبل ان ندخل المواقع المهمة وقفنا نتأمل عند نهر الليطاني الذي كان قبلة للجنود الإسرائيليين حينما أرادوا ان يكونوا متواجدين هناك ولكنهم لم يحققوا هذا الحلم، فوقفنا نحن من أمامه والتقطنا صوراً كانت حلماً عند الاسرائليين ان تجول عدستهم في نهر الليطاني ، اما نحن فوقفنا عنده والتقطنا صوراً دون ان نرمي احد برصاص أو يعترض على وقوفنا احد.
|