منطقة النعيم كانت من اكثر مناطق البحرين حيوية على الصعيدين الثقافي والمهني خلال النصف الأخر من القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن الماضي . وقد ضمت إلى جانب مرجعيتها الدينية حرفا وصناعات عديدة ، وكانت الثقافة الدينية آنذاك حاضرة ومؤثرة في كل مهنة وحرفة شغلها أبناء النعيم ، الأمر الذي ميز هذه المنطقة بعلاقات وروابط اجتماعية متينة تفوقت في جانبها النظري والعملي مثيلاتها في بقية مناطق المنامة.
هذه العلاقات المتميزة ساهمت إلى حد كبير في جعل المنطقة محورا أساسيا في اكثر التحولات السياسية والاجتماعية الكبرى التي برزت على الصعيدين المحلي والعربي ، وان حالتها الثورية خاصة قد نبعت من تركيبتها السكانية المميزة ، حيث شكلت الفئة العمرية من الشباب غالبيتها ، بينما ظلت الفئة العمرية من كبار السن تحافظ على روح فاعلة ومنتجة في مراكزها الحرفية ، وتتابع مجمل تحولات المحيط السياسي والاجتماعي وتتفاعل معه.
ولو رجعنا إلى جيلي القرن الماضي وتصفحنا معهم ذكرياتهم على الصعد الثقافية والاجتماعية والسياسية ، لاكتشفنا أن منتجهم ومعطياتهم تلك التي تغلبت على كل تحديات الأشخاص والأشياء السلبية ،هي في شكل ومضمون اجتماعي متين ومتفوق ، وكلها تضاهي معطيات جيلي النصف الآخر من القرن الماضي وسنواتنا الأولى من هذا القرن برغم توافر ظروف ومعطيات مناسبة لهذين الجيلين الآخرين لو قدرت للأجيال الماضية لكان نتاجها الحضاري على الصعد الاجتماعية والسياسية والثقافية لا مثيل له في تاريخ منطقة النعيم.
ويسجل لجيلي النصف الآخر من القرن الماضي دورا كبيرا في تفادي منعطفات التخلف الفكري التي اجتاحت بلادنا بأسرها ، ولكن بعض مظاهر التخلف تلك قد تغلبت في أشكال اجتماعية وثقافية مختلفة ومازالت تعصف ببعض علاقاتنا وروابطنا ، وهي - بعون الله - في طريقها للزوال والانقراض إلى غير رجعة ، ولكننا على هذه الطريق بأمس الحاجة اليوم اكثر من أي وقت مضى إلى المحافظة على هذه المنطقة وتحصينها ضد ما تبقى من مظاهر التخلف المعدية تلك التي ظلت عصية على الكثير من مناطق البحرين وروادها . كما يسجل لهذين الجيلين بما يمتلكان من خبرات أيضا ريادتهما وطلائعيتهما في تذليل الكثير من الصعاب أمام المبادرات الشابة المباركة في تأسيس بعض ما يسمى اليوم بمؤسسات المجتمع الأهلي ، كنادي النعيم الثقافي ،وصندوق النعيم الخيري ، ومجلس طلبة العلوم الدينية ، ومركز شباب النعيم ، والاستمرار في تطوير مؤسساتنا الدينية والاجتماعية الأخرى العريقة ، كالمآتم والمساجد وغيرها ، والسعي الدؤوب للمحافظة عليها وتنظيم وتأهيل هيكلها الإداري ودراسة وتحديث جدوى معطياتها على الصعيد الأهلي والارتفاع بها إلى حيث صفتها المثالية المرجو تعزيزها دينيا وحضاريا.
وبمناسبة مولد أمير المؤمنين الإمام علي ( عليه السلام) ، وانطلاقا من مبادئ نهضته ، كانت الإرادة الواعية لبعض الشباب الغيور في هذه المنطقة ، قد عزمت - كعادتها- على حمل راية التطوير والتنظيم والتجديد والتحديث ، إسوة بأجيال منطقتنا الكرام السابقين ، وجعلها خفاقة عالية ، ومن ثم المساهمة بكل ما آتاهم الله سبحانه وتعالى من قوة في تعزيز ما ورثوه من عزة وكرامة ، وروح وحدوية بناءة وسامية على كل ما تبقى من مظاهر التخلف والتقهقر ، والمحافظة على سلامة مجتمع منطقتنا والرقي به فكريا ومؤسسيا ، واجتماعيا وعلميا وثقافيا ، وتوثيق كل ما توافر من معطيات تاريخية سجلتها الأجيال الماضية ويسجلها روادنا وجيلنا الراهن.
هذه الإرادة الشبابية الواعية ستؤسس - في خطوة مباركة- لمشروع إلكتروني أهلي بهذه المناسبة الدينية العظيمة يكون موقعا لتفاعل أهالي المنطقة ، وانعكاسا لتاريخهم وحياتهم اليومية الراهنة ، ومحلا لتنظيم طاقات الشباب والاستفادة منها بوجه صحيح.
جميعنا ، أفراد ومؤسسات، مدعو إلى المساهمة ، بالتشجيع والمشاركة ، وبالنصح والإرشاد ، وبالمتابعة والملاحظة . ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفق الجميع ، وان يأخذ بيد شباب المنطقة إلى جمع طاقاتهم ، والاستفادة منها ،وإبعادها عن موارد الهدر والاستغلال السيئ.
|