إصنعْ صباحك!
أتحدثُ كثيراً مع الشباب, فأرى الكثير منهم متشائماً, لا يرى بارقة أمل ولا حتى بصيص من نور في آخر النفق, بل هو ظلام حالك يخيم على القلوب فيعصرها كما يعصر قلب مظفر النواب اليأس المرير. ولست ألومهم على ذلك, فكلنا -أبناء جيلي و الأجيال التي تلت- كل فرد منا هو وليد نظرية المؤامرة الكبرى, يعيش بقناعات مسلوب الإرادة مواطن من دول العالم الثالث. متيقناً انه ليس ثمة من سبيل لوضع بصمته في هذا الوجود, فنحن "نوضع في العصارة كي يخرج منا النفط" وانه في ظل مجتمع متآمر و حكومة متآمرة ليس لنا من خلاص "والقادم اخطر" و نحن في كل ذلك ليس لنا حول و لا قوة حتى كدنا ان نؤمن بالجبرية وإننا مسيرون ليس لدينا خيار, فكل ما حولك مفروض عليك.
أشاركهم في كل ذلك, فما يحصل في هذا الجزء من الكرة الأرضية ليس لي فيه –وأنا العبد الفقير- حولٌ ولا قوة. و أما الحكمة القائلة "ان تضيء شمعة خير من ان تلعن الظلام ألف مرة" فلم تكن سوى كليشه من الحضارة الصينية, غرضها العبث بعقلي العربي المستضعف. كنت في ذلك كله ألتقي مع الكثير من الشباب و الشابات في هذه المعاناة البائسة , وكنا لا نملك شيئاً, ليس لنا إلا ان نلعن كل شيء ... حتى نور الفجر فهو يوم وليد, و يعني سعيٌ جديد و بداية أخرى ليوم آخر يبزغ حاملاً معه غصاته و ألآمه. كنت كلَ ذلك حتى قرأت قصة قصيرة... كان لها بالغ الأثر في سلوكي.ولعل من أهم سمات القصة القصيرة - والتي تميزها عن باقي أشكال الأعمال الأدبية- الاعتماد على حبكة واحدة, إذ ليس ثمة حبكات فرعية و إنما هو موقف واحد فردي, وشخصية واحدة في مشهد واحد. تدور أحداث هذه القصة والتي لم تتجاوز الصفحة الواحدة حول حدث وحيد مفاده ان رجلاً تزوج ونام في السرير.
وعندما استيقظ سأل زوجته: هل جاء الصباح؟ فأجابته: لا ليس بعد, فعاود النوم. وعندما استيقظ , سألها ثانية: هل جاء الصباح؟ فكان جوابها مثل الأول: لا ليس بعد. فنام مرة أخرى. ظل الرجل يعاود السؤال كلما استيقظ و زوجته تجيبه بالإجابة ذاتها, ولقد كان في كل مرة ينام فيها يتقعر به السرير فيطمسه إلى الداخل قليلاً. وهكذا شيئاُ فشيئاُ غاص في سريره ولم يعد بالإمكان رؤيته أو حتى سماع صوته. أبتلعه السرير وهو ينتظر الصباح. ظلت هذه القصة تدور في رأسي المولع بالدوران أصلاً ... إن من ينتظر الصباح يموت غائصاً في قعر سريره.
إنها دعوة إلى المبادرة و صناعة الصباح بدلاً من الموت في السرير, فأنا على يقين بأن لكل فرد منا صباحه الذي يشرق فيه, فيغطي الأرض بنوره. نور الموهبة و العطاء فعندما يجتمعان يكون المزيج الناتج هو نور الله المكنون في إنسانية الإنسان. تدفعه إليه مبادئه الإسلامية السامية نحو المبادرة و العطاء.
هاهي مؤسساتنا الأهلية مشرعة الأبواب, منها مؤسسات فتية تحاول النهوض على قدميها, لتخطو خطواتها الأولى نحو الديمقراطية. الديمقراطية التي تضمن لكل فرد منا حق التعبير عن ذاته, كما تضمن صيرورة المجتمع عبر تغيير الوجوه في مختلف المواقع, فأسندوها بظهوركم - نساءً ورجال- كيما يستعيد كل فرد منا حقه الإنساني الأصيل, حق التعبير عن نفسك و الدفاع عن قناعاتك وذلك بالتفاعل و المشاركة مع الآخرين, مشاركة تسهم عبرها في تغيير واقعك وتحريك عجلته ودفعها إلى الأفضل, إنطلاقاً من إيماننا جميعاً بأن هدف حياة كل منا هو إعمار الأرض بالسعي الحثيث وإنّ من تساوى يوماه فهو مغبون.
لنعمل بدون الكثير من المسبقات. نختلف .... نتفق.... ليس هذا هو الأهم , الأهم هو ان نلتقي لنعبرعن أنفسنا, أن نمتزج فكراً و قلباً, عندها فقط يكون لنا حضور, عندها فقط نستطيع أن نصنع صباحنا.
احمد مهدي السكري 02/07/2006
|