مناوشات بحرانية لعشاق الكشف والشهود في مناهج الحوزة الدينية
(5-5) منهج العرفاء داء العلم في مناهج الدراسات الدينية
أشار آية الله المرعشي النجفي إلى التصوف الفلسفي (العرفان) والى دعاته وأصحاب المؤلفات في شأنه ونظريته في وحدة الوجود أو وحدة الموجود ، وطعن بشكل صريح في رواده وكشفهم من خلال الإطلاع على أسرارهم ، وظهر له "بعد الفحص الأكيد والتجول في مضامير كلماتهم والوقوف على ما في خبايا مطالبهم والعثور على مخبياتهم بعد الاجتماع برؤساء فرقهم أن الداء سرى إلى الدين" . وعجيب أمر بعض كبار علماء التشيع في المؤسسة التعليمية الدينية وسعيهم الدءوب وتفاخرهم بتمثيل التصوف الفلسفي وتدريس منهجه وجعل مفاهيمه وقواعده من القواعد والمفاهيم الأساسية على طريق معرفة الدين والإله وتنظيم العلاقة به وتصويب مسيرة التفكير العلمي باتجاه تخطي طاقة العقل إلى الوجدان والوحي بلا دليل شرعي أو حتى عقلي أو وجداني جلي.
والأعجب من كل ذلك أن بعض مدارس المؤسسة التعليمية الدينية الشيعية رفضت النص وتبنت نظريات منبثقة عن المؤسسة التعليمية الصوفية والفلسفية التابعة لاتجاه الخلافة ، وهو اتجاه اتبع مفاهيم الفلسفة والتصوف الفلسفي وأخذ عنها في عقائده ثم انقلب عليها في قصة دراماتيكية سطرها تاريخ الغزالي ، حتى إذا ما نامت مؤلفاتها في رفوف المكتبات أيقضها بعض تلاميذ المؤسسة التعليمية الدينية العقلية وأخذوا عنها نظرية "وحدة الوجود "وشكلوا لها مدارسها الخاصة . فمن أين وفد التصوف الفلسفي وكيف مال إلى نظرية وحدة الوجود ؟ ومن هو رائده ومنظره ؟
يعد ابن عربي الأندلسي الصورة الكاشفة عن الفكرة الكبرى في التصوف الفلسفي (وحدة الوجود) ، وفي مدينة مرسية (Murcia) ولد ابن عربي أبو بكر محمد بن علي الحاتمي الطائي في (17رمضان 560هـ -28 تموز1165م) . وله من الألقاب ما يجمع بين تبجيله وتكفيره ، فهو (محي الحق والدين) و (الشيخ الأكبر) عند مريديه ، وهو (أبو الشطحات) و (مميت الدين) و (مميت الدين الأول) و (ماحي الدين) عند مناوئيه .
درس ابن عربي الأدب والحديث والقرآن والسيرة وغيرها من العلوم الدينية التي كانت رائجة في المؤسسات التعليمية في مدينة أشبيلية الأندلسية . ولأنه تميز عن أقرانه في مادة الأدب فقد شغل وظيفة حكومية في أشبيلية بمنصب كاتب رسمي . وقبل إتقانه معارف التصوف التي كانت رائجة في الأندلس ؛ كان ابن عربي يعيش مترفا ويمضي أيامه في اللذة وصيد حمر الوحش برفقة غلمانه وحشمه وخدمه حتى أطلق ابن عربي على هذه المرحلة المترفة من حياته وصف (زمان الجاهلية) لكنه لم ينقطع خلالها عن الكشف والذوق والوجد الذي كان يمارسه – بحسب اعترافاته - منذ طفولته حتى تأهله لدخول الطريقة الصوفية وله من العمر 21عاما ، إذ كان يجادل شيوخ الصوفية قبل انتمائه للطريقة فيؤذيهم ويشنع عليهم اعتقاداتهم وطقوسهم وتصرفاتهم .
وقد التقى ابن عربي بالفلاسفة قبل بلورته لنظرياته العرفانية ، كان من بينهم الفيلسوف ابن رشد بمدينة قرطبة حيث كان قاضيها الشهير . وفيها دار الحوار بينهما ، فبادره ابن رشد بالسؤال: كيف وجدتم الأمر بين الكشف والفيض الإلهي ، هل هو ما أعطاه لنا النظر ؟ . فرد ابن عربي: نعم ولا ، وبين "نعم" و"لا" تطير الأرواح من موادها والأعناق من أجسادها" .
فأظهر هذا الحوار القصير بين الفيلسوف والمتصوف عمق الخلاف في نتائج النظر والكشف وصحة كل منهما . فقد أخذ الفلاسفة الكندي والفارابي وابن سينا بـ "نظرية الفيض" الفلسفية وكانت من نتاجهم ومن متبنيات السهروردي ، وأخذ ابن عربي بحال الكشف والشهود مما لا نظر فيه . فكان مقصد ابن رشد بسؤاله الانتصار للفلسفة المتقدمة منهجا وطريقة على الكشف والشهود . إن كل ما كسبه العرفاء من مفاهيم وظفوها ضد الفلاسفة خلصت إلى أن العقل "آلة الفلسفة" غير معصوم عن الخطأ ، وأن الكشف والشهود صورة واحدة عن "آلة العرفان" وتأتي متفوقة على وظيفة العقل ومتقدمة عليها ، وان المنهج المشترك بينهما كان (نعم ولا) صوفيا لا فلسفيا بحسب توجيه إجابة ابن عربي.
ومن عجائب ابن عربي المثيرة قوله في حديثه عن نظرية "وحدة الوجود" التي بلورها واعتنقها ودافع عنها ، أنها من النظريات التي خصه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بها حيث يورد ابن عربي أنه كان في زيارة للقاهرة في عام (603هـ -1206م) عندما جاءه الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في نومه ليلقنه هذه النظرية بألفاظ أفادت معناها! . وفي إطار هذه النظرية عارض بشدة ظواهر الشريعة والعقائد وتظاهر في ذلك بعد تغير الأحوال في أشبيلية وخفة حروب العامة ضد المتصوفة والمتفلسفين ، فكان نصيبه في ذلك التكفير في نصوص فتاوى فقهاء مصر آنذاك الذين طالبوا بقتله .
وبعد ثمان سنوات تقريبا على تبلور نظرية "وحدة الوجود" عند ابن عربي وتمكنه منها التقى ببغداد في عام (608هـ) الفيلسوف المتصوف شهاب الدين السهروردي رأس متصوفة بغداد وصاحب فلسفة "الإشراق" فبجله وعظمه وأثنى عليه وفتح الأبواب في بغداد أمام أتباعه وطلبته للتزود من نظريات ابن عربي وعلومه والتعرف على تصوفه الفلسفي . لكنه لم يحظ بمثل هذه الحفاوة والرعاية والإكرام في حلب ، حيث ثارت المدينة وشيوخها وطلابها ضد كتابه "ترجمان الأشواق" الذي ألفه واصفا عشقه للـ (النظّام) ابنة الأصفهاني مكين الدين زاهر بن رستم أبي الرجا بعد أن رأى ملامح جمالها فأصبح متيما بها وأنشد شعرا غزليا عرفانيا عبر فيه بما يمتلك من شطحات في جانب نظرية "وحدة الوجود "واظهر إعجابه بـ"جمال المعبود في مرايا الأعيان" وعد ابنة أبي الرجا النظّام "تجليا كاملا وبارزا لجمال المعبود" . فأضاف هذا العشق والوصف المرهف الشيء الكثير من الشطحات في التصور العرفاني للنساء ومتعلقات المرأة عند ابن عربي. فقال في وصف اعتبار الغسل وحب النساء والالتذاذ بهن في الشريعة:" لأن الحق غيور على عبده أن يعتقد أن يلتذ بغيره ، فلهذا أحب النبي (صلى الله عليه وسلم) النساء لكمال شهود الحق فيهن ، إذ لا نشاهد الحق مجرداً عن المراد ، فشهود الحق في النساء أعظم شهود وأكمله ، وأعظم الوصلة والنكاح … وقال: فمن جاء لامرأته أو لأنثى بمجرد الالتذاذ ولكن لا يدري بمن ، قال:
غير أنهم لا يعرفوا عشقي لمن صح عند الناس أني عاشق
كذلك هذا أحب الالتذاذ فأحب المحل الذي يكون فيه - هو المرأة - ولكن غاب عنه روح المسألة فلو علمها لعلم بمن التذ؟ ومن التذ؟ وكان كاملاً قال من شاهد الحق في المرأة كان شهوده في منفعل وهو أعظم الشهود ويكون حباً إلهيا"!
وكانت دمشق مصدر الهام له فألف فيها كتابه الشهير "فصوص الحكم" الذي شُرح مائة مرة تقريبا على يد العرفاء المريدين له ، وادعى ابن عربي في عام (627هـ) مثل دعواه في مصدر نظرية "وحدة الوجود" ، فأعلن أن هذا الكتاب تلقاه عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في رؤيا ، وأمره بكتابته ونشره بين الناس وأطلق عليه هذا الاسم . وتميز هذا الكتاب بشدة تعقيد الألفاظ حيث اتخذه العرفاء مصدرا أساسيا في المعرفة وتداولوه ودرسوه وفكوا طلاسمه في المؤسسات التعليمية الدينية والمدنية وتناولته الجامعات والكليات والمعاهد .
وعده بعض علماء المؤسسة التعليمية الدينية في قم المقدسة كتابا عرفانيا دراسيا برغم شطحاته وانحرافاته ووضوح قوله بنظرية "وحدة الوجود" وتصريحه بالنص الخطير الذي أورده وقال فيه: "سبحان من أظهر الأشياء وهو عينها" ، وهو نص ظاهر في هذه النظرية برغم التأويلات والتبريرات التي أوردها المدافعون عنه واستنادهم فيها إلى نصوص أخرى لابن عربي حاولوا من خلالها إعطاء شروحات جديدة على هذه النصوص وبينوا أن مقاصده منها واقعة بين الإطلاق وعدمه لا الإطلاق المحرم وحده . كما رجعوا أيضا إلى نص آخر له يقول فيه ما نصه"ما هو عين الأشياء في ذواتها ، بل هو هو والأشياء أشياء" الذي فسروه باعتقاد الثنائية والتعددية بين الإله والمخلوق عند ابن عربي ، بينما الحقيقة تتضمن الكثير من الإسراف في الدفاع عما هو واضح جدا بالشطحات ، والتأويل إلى ألفاظ لا معاني لها ولا واقع ولا حقيقة . فالنص الأول فيه دلاله قطعية على "وحدة الوجود" ، بينما النص الآخر فيه احتمالات ، وله ظاهر مؤيد للنص الأول وليس نقيضا أو مؤولا له . وبه ميز قوله فأصبحت الذوات في عين ذاتها الإله ما هو عينها بالنظر إلى كونه هو فهو وكونها هي فهي."فاختفاء الذات لا يعني من حيث المبدأ ، بالنسبة للصوفي شيئا آخر غير الذي يعنيه بالنسبة لبولص حينما قال: (مع المسيح صلبت ، فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيّ"1.
لقد هيأت البيئة التي عاش فيها ابن عربي الأمر لصناعة الفلسفة والتصوف في فترة تاريخية شهدت انفتاحا نوعيا رجع فيها ابن عربي إلى مدارسة كتب الأقدمين في الأندلس . فالأندلس كانت في قديمها قبل الإسلام تعرفت على العرفان والتصوف والفلسفة الناشئة عن مؤثرات مبادئ الفيثاغورثية والغنوصية المانوية والحلولية ، وشهدت مقتل بعض منتميها كان من بينهم (بريسلين) الذي أخذ عنه الصوفي الشهير ابن مسرة الجبلي ومريدوه . ويعد ابن مسرة من أخطر الفلاسفة المتصوفة الذين تأثر بهم ابن عربي ورجع إليهم ومدحهم في كتابه (الفتوحات المكية) .
وعرف عن الأندلس رعايتها واهتمامها بعد فتحها من قبل الأمويين في (92هـ) بالعلوم النقلية فقط وبعض العلوم المتصلة بها حتى شهدت بعد ذلك تطورا في المؤسسات التعليمية الدينية التي تخرج عنها بعض الفقهاء والمفسرين والمحدثين وكثير من الحفاظ والقراء والدعاة والقضاة . وقد أدخل الحكم الأموي بعد قرن ونصف تقريبا إصلاحا وتجديدا على المؤسسة التعليمية الدينية فشملت تعزيز دور العلوم العقلية وتكثيفها إلى جانب العلوم النقلية ، فدخل المنطق والرياضيات والفلك والطب من أوسع أبواب المدارس الدينية ولم تكن مادتي الفلسفة والتصوف تحتل مكانا لهما في المراحل الأولى من هذه الفترة بحكم حساسية هذه الاتجاهات والأفكار والعقائد في الشمال الإفريقي ومؤسساته التعليمية الدينية التي كانت تميل ميلا شديدا للدفاع عن الحكم الأموي الأندلسي ، لكن القرن الرابع الهجري شهد انفتاحا رسميا كاملا على العلوم العقلية بمساهمة كبيرة من سلطة الأمويين على عهد المستنصر بالله ، كانت من بينها مادتا الفلسفة والتصوف اللتان وفدت كتبهما القديمة والحديثة من كل صوب وحدب وغذتها مشاريع الترجمة لتؤسس لعقد من المنافسة مع التعليم الديني على العلوم النقلية الذي تميز بوصوله إلى قمة عطائه وبروز علمائه الأندلسيين الذين ساهموا إلى جانب مشاركات وجهود فعالة من قبل مجتمع الأندلس آنذاك في استغلال فترة وفاة المستنصر بالله وضعف خليفته ابنه هشام ، حيث حاربوا كل ما كان يتعلق بالعلوم العقلية بما فيها مادتي الفلسفة والتصوف الفلسفي وحرقوا مؤلفاتها ومنها كانت مؤلفات أبي حامد الغزالي ، وخربوا مكتباتها وكفروا الفلاسفة والمتصوفة وقتلوهم وسجنوهم واتهموهم بالزندقة والانحراف عن العقيدة ، حتى اضطر الأمويون بعد ذلك إلى التراجع عن دعمهم للفلسفة والتصوف وندبوا موظفيهم للمشاركة في تلك الحرب على العلوم العقلية كلها واستخرجوا كل ما حوته قصورهم من مؤلفات فلسفية والتصوف الفلسفي فأحرقوها وأتلفوها بغية الكسب العام .
وكان من بين رواد هذه المرحلة ابن مسرة الجبلي الذي قرأ التصوف الفلسفي للأسباني القديم (بريسلين) ودرس عقائد المعتزلة والمتصوفة في البصرة وآمن بأن "النبوة اكتسابية وليست اختصاصية" ، ودرّس فلاسفة اليونان لمريديه ، فاختلطت في نظرياته الفلسفة بالتصوف ، حتى شُرّد بعد ذلك مريدوه وقتلوا وأجبروا على التوبة ، فاضطر ابن مسرة للفرار إلى خارج الأندلس بعدما أحرقت كل مؤلفاته وشروح طلابه.
وقد أغلقت الأندلس أبواب مدارسها التعليمية الدينية أمام الفلسفة والمتصوفة قرنين كاملين ، حيث ظهر بعد ذلك محي الدين ابن عربي في مناخ كان فيه علماء الدين الأندلسيين وقد أبدوا مرونة في علاقاتهم مع الفلاسفة الذين كشفوا نقضهم لمبادئ التصوف ونظرياته وفضلوا الابتعاد عن جانبه ، وكان من بينهم (ابن باجة ، وابن رشد ، وابن الطفيل) . وكانت هذه فرصتهم فعاد الفلاسفة المتصوفة إلى سيرتهم الأولى وكثرت كتبهم ونمت على رؤى أفلوطين هذه المرة ، ما ترك الباب مفتوحا على مصراعيه أمام ابن عربي وجيله ليصعد على ظاهرة فلسفية صوفية متنوعة المشارب والنظريات الشرقية واليونانية ، فاستعان ابن عربي بهذا الخليط على بلورة نظرية "وحدة الوجود" وتنميتها وتنظيمها.
وقدح بابن عربي بعض علماء اتجاه الخلافة ، كابن تيمية الذي وضعه في عداد الكفار ووصف كفره بأنه أغلظ من عبدة الأوثان ووصمه بالزندقة وقبح الباطن . ووضعه الشيخ المقدس الأردبيلي من علماء الشيعة في خانة اللصوصية وعده من لصوص الفلاسفة الذين اقتبسوا نصوصهم . واعتبره الشيخ محمد النجفي القمي ضالا مضلا وكافرا أشد كفرا من يزيد بن معاوية ، كما كفره صاحب كتاب (بحار الأنوار) الشيخ محمد باقر المجلسي الذي تعدى ذلك لينتقد بعض الشيعة المتكلفين في مدح ابن عربي . وتبع المجلسي في تكفير ابن عربي الميرزا محمد التنبكاني ، والمير محمد باقر الخونساري الأصفهاني ، والشيخ الميرزا حسين النوري الذي ذم ملا صدرا أيضا على مدحه لابن عربي وتبنيه لأفكاره وعقائده وتأييده لها وذكره إياه في كتابه (الأسفار) واشتراكه معه في نظرية وحدة الوجود . وإما الشيخ علي اكبر الأردبيلي فقد وصف ابن عربي بـ(مميت الدين الأول) وكفر ملا صدرا والمحدث الفيض الكاشاني واعتبر ابن سينا ضالا ومضلا.
وحسب ابن عربي أنه أبعد ما يكون عن الذكر في المؤسسة التعليمية الشيعية لأنه أخذ بما هو خلاف عقائد الشيعة وسردهم التاريخي . فقد ادعى الولاية المطلقة وخص نفسه بها وبخاتميتها ونفاها عن الإمام علي (عليه السلام) وأخذ بسيرة الشيخين الخليفتين أبا بكر وعمر وامتدح المتوكل العباسي في كتابه (محاضرة الأبرار) واعتبره قطبا له ولاية مطلقة حيث ينظر الله تعالى إلى الكون من خلاله في زمانه ومكلف بحفظ الكون جميعه في وقت عرف عن المتوكل سعيه الخبيث لهدم قبر الإمام الحسين (عليه السلام) .
وكانت لابن عربي أقوال طائفية صريحة في الحقد والكراهية ، فذكر أن الشيعة يُرون في الكشف بصور الخنازير ، واعتبر الأشياء – في نظرياته الفلسفية الصوفية - مهما كانت صورها فهي مجالي للحق سبحانه عما يصفون فيقول: "أن المعبود ليس محصورا في صورة ، بل هو ما في الصور كلها من الحق ، لأن العبادة لا يستحقها إلا الله الذي هو عين الكل وله هوية جميع الصور ... إن الحق المعبود المطلق الذي أمر أن لا يعبد إلا إياه لما ظهر بنور الوجود في كل نوع من الأنواع بل في كل شخص ، لزم أن يعبد في تلك الصورة إما عبادة عبد لإله ، وإما عبادة تسخير ، كما عبدة الأصنام الحجر والشجر والشمس والقمر ، لكون الإلهية ذاتية للوجود الحق ، وعبادة التسخير ليس لها اسم العبادة عرفا لأنها مخصوصة بمن تأله لكن العبودية متحققة في القسمين ، فإنك عبد لمن ظهر عليك سلطانه" 2.
ومع كل هذه الحقيقة في النص الديني المناهض للفلسفة والعرفان والتصوف ، إلى جانب طبيعة الفكر المنحرف والرؤى التاريخية الخاطئة التي يحملها ابن عربي، إلا أن ابن عربي أحتل مكانة في المؤسسة التعليمية الدينية الشيعية لا يستحقها ، وأصبحت بعض مؤلفاته تتداول وتدرس في مدارسها ، وهناك من رجال العلم الكبار من عرف بتمكينه لابن عربي في علومه العقلية ووجدانه ومحافله ومدارسه ، وتطرف البعض الأخر ليؤكد من خلال تحقيقاته على أن ابن عربي ليس متصوفا على اتجاه الخلافة إنما يعد احد علماء الدين الشيعة الكبار لأنه أشار في بعض مؤلفاته إلى لقائه في الشمال الإفريقي بالإمام المهدي بن الحسن (عليه السلام) وربما لم يشأ إظهار تشيعه تقية . وهذه واحدة من خرافات التحقيق التاريخي التي سجلتها أقلام بعض العرفاء البسطاء.
المصادر ---------------------------------------- 38- التصوف الإسلامي . تور آندريه ص242. 39- شرح فصوص الحكم للقاشاني . في الفص الهاروني . ص399-401 .
|