كريم المحروس
14/10/2010م
لا يا سادتنا وشيوخنا الأعضاء في المجلس العلمائي! .. لماذا تعقلتم سياسيا فجأة وأبطلتم حق الطائفة في وجوب التمسك بالشريعة ورعاية ضروراتها ثم خشيتم دفع ثمن الموقف الحق إزاء مَنْ ركز بين خياري السلة والذلة؟!. إنكم بهذا الموقف أرسيتم القواعد لبناء مجتمع سياسي منافق فاسق على دين جديد من شأنه أن يستمرئ الهوان والذل والضعف جريا وراء مكسب سياسي لا يستحق كل هذه الجعجعة والطنطنة! .. بيانكم الأخير الصادر في 14 من ذي القعدة 1431هـ والداعي الى المشاركة؛ أنهى جمال آخر صورة لمؤسسة علمائية في جزيرتنا ..فأنتم من أحال بهذا البيان المؤسف صورة هذا المجلس العلمائي الى انعكاس جلي لشبح مطية سياسية مهترءة لم تعد تستحق من راكبها الإحسان جزاءً لإحسان.
كنت من أوائل من استبشر بتأسيس هذا المجلس على ما اعتوره من سوءات حزبية ضيقة الأفق في الفكر والسلوك الاجتماعي حتى لمست بعد ذلك ما ذهب اليه المجلس من تأميم عنيف لكل المساجد والحسينيات وأئمتها والقائمين عليها وتسخير مقدراتها من أجل تحقيق دعاية سياسية لا خير فيها عوضا عن تحمل أعباء المبادرة الى إنشاء مؤسسات دينية جديدة فاعلة والأبداع فيها لأجل الدعوة والتبليغ وحماية ما تبقى من معارف وثقافة شيعية أصيلة.. ومازلت أتابع مساعي هذا المجلس حتي ظننت مؤخرا أنها ستتخذ طريقها في يسر الى بث المعارف المجردة من بدع (البسترة) وشطب مرويات التبري الشيعي فضلا عن تجردها من الموقف المناوئ لثقافة التولي التي مارسها أباؤنا واجدادنا سرا وجهرا – واذا بي لا أرى أمامي غير جهة علمائية هزيلة الجانب ومجردة من المقاصد البنيوية الحريصة على مكافحة الجهل بمرويات أهل البيت عليهم السلام ، ثم ليس فيها من فعل جدي غير المضاربة بإعلانات سياسية مبنية على أنقاض مسيرة حزبية فاشلة في أكثر مبانيها الاجتهادية .
مجلس علمائي يمثل الطائفة الشيعية يُستغل كورقة رابحة وضرع حلوب وظهر مركوب من أجل الدفع باتجاه جزئية سياسية حقيرة مثل (المشاركة) في الانتخابات في مقابل القائلين بـ(المقاطعة ) وهم رهن الاعتقال بلا محاكمة، بينما الرؤية الصريحة لخلاصة (المؤامرة الانقلابية الاخيرة) مازالت تؤكد ببيان واضح على أن كليهما (المشاركة والمقاطعة) موقفان سيئان كانا نتاجين للعبة سياسية هدفها تطوير وسائل استنزاف مقدرات الطائفة بعد أسابيع قليلة من وقائع الميثاق المشؤمة، وكانا (المشاركة والمقاطعة) أيضا مشغلا لعلماء الطائفة في حدود ضيقة جدا ظن فيه كبارهم ميدانا للحسم الكبير والانتصار العظيم!
مجلس علمائي بهذه المواصفات وبهذه الرؤية؛ لا يستحق بكل تأكيد أن يكون ممثلا حقيقيا عن طائفة أصيلة صنعتها نصوص روائية عمدتها عقيدة التولي والتبري التي لولاها لما قامت للتشيع قائمة منذ أول انقلاب قاده صحابة الرسول صلى الله عليه وآله الذين أحدثوا به دينا جديدا من بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله. وإذا ما أريد لهذا المجلس أن يكون صورة لمؤسسة شيعية نقية ؛ فعليه أن يأسف لبيانه الأخير وأن ينطق بالحق في كل الأحوال كما نطق أولوا الشجاعة من نزلاء السجون ، وأن يصون نفسه باتخاذ الموقف الشرعي الصارم غير المشوب بشوائب اللعبة السياسية القائمة التي من شأنها الانتهاء بالمشاركين والداعين الى المشاركة الى رفع قواعد الزيغ والنفاق والإستمالة الى الحفل بأهل الفسوق والعصيان والطغيان.
تساءلت بعد صدور هذا البيان: هل تواطئ علماء الدين كلهم دفعة واحدة على إصدار هذا البيان المسكين بما يتفاوتون به من مستوى علمي وقراءة للواقع وموجباته؟! .. أشك في ذلك ويعين على شكي هذا معرفتي بعلم وإخلاص بعضهم .. وهل جمدت عقول علماء الدين عند حدود سياسية يرونها (منيعة) فتأملوا بالقرب منها موقفا لإبراء الذمة بعد كل الحوادث المؤسفة في جزيرتنا ببيان؟! ، وواقع الحال يؤكد بأن عددا من المقاعد البرلمانية في المجلس السابق أوقع البرلمانيين وعلماء الدين منهم خاصة في المحذور فارتكبوا جرما إخلاقيا بحق الناس ومارسوا ما هو خلاف الشريعة نصا .
العتب كله يقع على قصور المعرفة عند من يعتقد بأن الارتكاز بين موقفي المشاركة او المقاطعة إنفاذ لمشروع الإنقاذ الموعود للتشيع والشيعة في البحرين . ولو قرر أولوا المعرفة الضحلة هذه أن يتجردوا من ضغوط الموقف السياسي الراهن ومن ثم اللجوء الى استنطاق تاريخ التشيع ونصوص مصادره العلمية لألفوا في التشيع ووجوده هبة إلهية لا تمنح آثارها الا الفوز المبين . وإن كان هناك خسران في مشاركة برلمانية تحت مظلة مَنْ ركز بين اثنتين: السلة والذلة؛ فأفق العمل من أجل نصرة الدين واسعة جدا بيّنها لنا الإمام الحسين عليه السلام الذي نستعد منذ اللحظة الراهنة لإحياء ذكراه ومصاب أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله. |