لكل بحراني الحق في عَلَمٍ أو مضيفٍ
كريم المحروس
13/12/2008م
جِهات شرهة كثيرة تتكالب علينا، بعضها سياسية، وبعضها أمنية، وبعضها ثقافية، وبعضها دينية غائرة في مفاهيم الحداثة أو متطرفة التمرد عليها، وبعضها شكل من أشكال التعصب الحزبي أو المرجعي المكروه، وبعضها جامع لهذه الأحوال أو شئ من صفاتها في صور همجية تستدعيها هواجس أمر معاوية ومخاوف انفلات القدرة والمكنة .. كلها تستهدف الطعن في الحال الفردية التي بدأت ملامحها تسود وتطغى على الكثير من ممارسات المواطنين في الشأن الثقافي التراثي الديني.مناسبة عاشوراء تتجلى فيها هذه الحال الفردية، وتنمو عاما من بعد عام إلى جانب الحال الشعبية الجماعية التقليدية، في سلوك يبدو تكامليا، ويظنه البعض من شذاذ الآفاق تمردا على إحدى المرجعيتين: السياسية الرسمية و الشعبية أو المدنية. ويُعَبَر عن هذه الحال الفردية في جهة المواطن البحراني - كفرد حر مستقل - بالتجرد عن الحمل السلبي الثقيل الناجم عن مظاهر الهزيمة والانكسار السياسي والجمود الثقافي وتوابعها، في سبيل تهيئة بدائل إبداعية خارج إطار المعمول به بين مؤسسات الانتماء الديني والسياسي والثقافي العام والخاص. كما يعبر عن موقف جهات الإستهداف المؤسسي إزاء بدائل هذا السلوك الفردي بـ"الاستيعاب الضرورة" أو "الاحتواء الضرورة " أو "التوجيه الضرورة"، لخدمة القيم الرسمية أو الشعبية الدينية العليا، مع ما ينطوي عليه هذا التعبير من تسامح أو توجيه متعمد لتحسين الألفاظ أو التخفيف من وطأة مقاصدها. فالموقف هذا يحمل في أحشائه أغراضا مشبوهة في أسوء الأحوال، أو أنها خالصة لوجه الله تعالى مشروطة بالفعل تحت قيد لواء مرجعية همها نبذ العمل الفردي لصالح الجمعي في هذه المرحلة الوطنية الحساسة في أحسن الظنون .وللتخصيص بين تجليات ومتعلقات الحال الفردية للمواطن البحراني؛ نأخذ أجملها مثالا، تبدى في الآونة الأخيرة عامّا في كل مناطق البحرين، مدنها وقراها، كان "نصب الأعلام الحسينية" في واجهات المنازل بألوان مختلفة يتصدرها الأعلام السوداء، و"فتح مضايف شخصية " بأسماء أهل البيت (عليهم السلام) لخدمة مواكب العزاء والمشايعين لها.فمنذ صغرنا ، كانت المفاهيم العاشورائية التقليدية مؤكدة على أهمية نَصْب الأعلام في المآتم وواجهات مبانيها، للدلالة على بدء موسم إحياء ذكرى مصاب أبي عبد الله الحسين وأهل بيته (عليهم السلام) وانطلاق فعاليات يومياته. واما الإستضافة فإنها حال جماعية كان من وظائفها التبرك إلى جانب تحطيم عوائق النمو في العلاقات الإنسانية التي تُنَصِِّبها عُقد الحياة ونَصب فتنها.المفاهيم التقليدية هذه تخطت حصر دوائرها في هذه المرحلة الزمنية التي تكالبت فيها جهات التحدي السياسي والثقافي الطائفي، وتعددت في كل صوب لتؤكد على ضرورة العمل الفردي الحضاري أيضا للمشاركة في إحياء هذه المناسبة العظيمة وإبراز مظاهرها بما يجعل من ذمة المواطن البحراني الفرد وحدة اجتماعية متينة وبمستوى هذا التحدي، والاستجابة لفروض الضرورات الدينية والثقافية في زمن حضاري منفتح موجب لإنماء السلوك الفردي الحر إلى جانب الجماعي منه .وفي ذلك، وعلى المستوى الشخصي الفردي، اتخذ المواطنون البحرانيون مِنْ نَصب الأعلام الحسينية بكثافة عالية في واجهات مساكنهم ، ومِنْ نَصب المضايف بين الزوايا وفي مرائب (كراجات)السيارات، سلوكا فرديا إبداعيا رائعا جدا لا نظير له في المنطقة. فذلك خير تعبير عن الولاء المطلق للإمام الحسين(عليه السلام) ، وأحسن خيار لمجاوزة تعقيد الإنتماء المثقل بنوبات الصرع السياسي، وأفضل وظيفة فردية للإمتثال لنداء الواجب في معركة التحدي السياسي والطائفي الخطير. من العدل أن يعبر أي مواطن بحراني في منطقته وحيّه عن رموزه الدينية والثقافية، التقليدية منها والمستحدثة، وبلا قيود أو حواجز. فلا علاقة لهذا الأمر بالمسميات المختلقة التي تثيرها بشكل غير منطقي جهات مؤسسية سلفية أو رسمية بوجه غير مسؤول بعد أن أعيتها الحيلة. فمن كان له غرض مكمل لمشروع "الاستبدال الوطني"، الداعي إلى إيجاد وطن كفيف بطاقة ولائية مطلقة العمى عمدتها آلاف من المتجنسين في مقابل واقع الاجتماعي معارض، مدافع عن هويته الوطنية، ويصبو إلى حياة أفضل من خلال صناعة وطن حر قائم على سعى مبارك لمواطنين حريصين على وطنهم وكيانهم التاريخي ؛ فعليه أن يقصد كل بيت فيه علم، وكل بيت في مرآب مضيف. وأنى له هذا التناوش وقد حيل بينه وبين ما يشتهيه. منذ اليوم، وكما كنّا.. لكل مواطن الحق في علم حسيني، بل أعلام تعتلي واجهة سكنه أو مكتبه أو ورشته أو متجره ...الخ ، ولكل مواطن زاوية أو مرآب ضيافة لخدمة أيام عاشوراء. ولا عذر في ذلك لمن أعيته السياسة وزخرفها وزبرجها. فإذا ما أطبق البحراني على ممارسة هذا الحق من روحه وبأقصى طاقة استوعبها جسده؛ فإن جزيرتنا ستسع أرقاما قياسية من الأعلام والمضايف، تفوقا على عدد ما صرح به من سكان يقطنون جزيرتنا .. كنّا حوالى 200 ألف نسمه في عام 1956م، فأصبحنا نتوالد كالأرانب حتى تفوقنا على المليون نسمة في عامنا هذا، وبزيادة قياسية: 800 ألف نسمة في نصف قرن!فمن يجير القرون القادمة من الزيادة!