إطلالة سياسية
لا زالت ذاكرتي محتفظة بأيام التضحيات وأيام النضال الذي قدمه شعب البحرين الأبي في فترة التسعينات التي كانت بالفعل فترة مضيئة في تاريخ بلدنا الحبيب، تلك الفترة كانت بمثابة امتحان إلى الناس، فكثيرون من كان لهم اعتبار وشأن ولهم المكانة العليا والكلمة المسموعة سقطوا في الإمتحان الصعب وأصبحوا في الحضيض، في الوقت نفسه بانت المعادن القوية والصلبة للرجال الاشداء الذين لن تطوى أسماءهم من صفحات تاريخ هذا البلد.
الثلاث سنوات الماضية شهدت البحرين نقلة نوعية أحدثتها حالة الإنفراج السياسي والتوافق الشعبي على ميثاق العمل الوطني الذي استفتي فيه الشعب، وقد اعتبره المحللون والقادة السياسيون أنه المخرج الوحيد للأزمة التي عصفت بالبلاد، لذى فقد جاء التصويت على الميثاق بالنسبة المدهشة (98.4) فأنا لست مع من يقول أن التصويت على الميثاق هو انتحار سياسي. بعد التصويت على الميثاق دخلت القوى السياسية في دوامة الإشكالية الدستورية والإنتخابات النيابية التي أسفرت عن مقاطعة أربع من القوى السياسية للإنتخابات فكانت الوفاق والعلماء أيضاً تحت ضغط الجماهير وتصريحات أحد الرموز السياسية بان المشاركة هي "إفتضاض لضمير الأمة" خصوصاً ان هذا الرمز له شعبيته الكبيرة في أوساط جماهير الوفاق ونتج عن ذلك مقاطعة الأخيرة والتزام الصمت من العلماء، في الوقت نفسه أعلنت بعض القوى السياسية مشاركتها في البرلمان برغم أنها أعيب عليها سرعتها في اتخاذ قرار المشاركة. بعد هذه الفترة من الجدال والإرباك في الاداء جاءت فترة التحضير للمؤتمر الوطني الدستوري الذي دعت إليه الجمعيات السياسية الست أو بالأحراى الخمس في الورشة التي عقدتها الوفاق الإسلامية وتغيبت عنها جميعة الوسط، إلا ان التحضيرية فيه لم تفلح في ان يكون مؤتمراً وطنياً واقتصر على الجمعيات الأربع وعليه كان المؤتمر بعنوان "المؤتمر الدستوري" وليس "المؤتمر الوطني الدستوري". و من توصيات المؤتمر تم الإتفاق على أن تدشن عريضة شعبية تطالب بالتعديلات الدستورية ولكنها أيضا اقتصرت على الجمعيات الأربع فلم تكن شعبية بالمعنى الدقيق كما حدث في عريضة التسعينات. تداعت في فترة التدشين تجاذبات متصاعدة حول العريضة وتمثل في حالة غير مسبوقة منذ إنطلاق المشروع السياسي خاصة تصريحات بعض المسؤولين الرسميين حول الحريات العامة والتلميحات بإغلاق مقار الجمعيات من قبل وزارة العمل والشؤون الإجتماعية حيث كانت المواقف تنبئ عن إمكانية حدوث تطورات غير مضمونه العواقب مثل ردود أفعال شعبية غير محسوبة وردود أيضا أفعال من قبل الجانب الرسمي ماتم توقعه وتخمينه حدث نوعا ما من قبل الجانب الرسمي ولله الحمد كانت ردود أفعال الشعب واعية ومتبعة للرموز الدينية والسياسية التي كانت مواقفها موفقة في عدم تصعيد الوضع السياسي بعد أحداث الإعتقالات. في ظل هذه التوترات يجب ان تتعزز بعض المفاهيم عند قطاع شعبنا أهمها أن العمل السياسي يجب ان يكون محصورا في العمل السلمي فقط ، وعليه لابد من نبذ جميع أشكال العنف والتهديد وترجيح لغة الحوار مع جميع القوى السياسية والدينية لإيجاد صيغة توافقية بين المعارضة والحكم خصوصاً ان بوادر تراجع مشروع الإصلاح قد بانت فالإصلاح الآن يحتاج إلى دفعة قوية لكي يبقى طموح وآمال الشعب في هذا المشروع أما التراجع عن المشروع بتصريحات غير مدروسة يمثل خيبة أمل عند جمهور واسع من الشعب وهذا ما لا تريده قوى الإصلاح، وكما قال أحد العلماء .. يجب أن لا تنهدم جسور الحوار لذى يجب التأكيد على لغة الحوار والإبتعاد عن التصعيد الغير مبرر من أجل معالجة الوضع الراهن. وحسناً فعل الديوان الملكي بعقد لقاء مع تسع من الجمعيات وملك البلاد الذي هو نتاج الحوارات التي أعدتها صحيفة الوسط. إن من واجب جميع القوى السياسية في البلاد أن تتغلب على منطق المواجهة والتصعيد لأنه ليس من صالح أحد ان تنزلق الأمور نحو المواجهة والتي لن يحمد عقباها. إن على جمعياتنا السياسية التي نطمح يوماً ما أن تكون أحزاباً ضرورة خلق كادر جماهيري واعي وداعم للعمل السلمي والإصلاحي والمشاركة الفاعلة في مجمل الحراك السياسي كالخوض في عمل النقابات والجمعيات الشبابية أو النسوية.
علي مجيد علي
|