في أزقة النعيم رجال
علي مجيد هناك في أحد أزقة النعيم، يوجد كرسي طويل، يسع لأربعة أو خمسة رجال، تجدهم في الصباح الباكر يتجاذبون أطراف الحديث، ويسألون عن بعضهم بعضاً، منهم من لا يبصر بعينه، فقدها بسبب عناء العمل الذي انخرطوا فيه رغم صغر سنهم، »قلاليف ونجاجير« إذ كان معروف عن رجال النعيم أنهم يعملون إما في البحر أو في النجارة، فقلما تجد احد من النعيم، ممن تكون أعمارهم بين الأربعين والستين ولا يقول لك أثناء حديثه عن ذكريات الماضي انه لم يعمل في النجارة، أو في القلافة. في السادسة صباحاً ينتظر ما يقارب ٥ رجال من المنطقة بلغوا من العمر الستين وبعضهم السبعين، وقليل من هم دون ذلك، جدي الحاج علي آل نوح يخرج من منزله الذي يلاصقه ذاك الكرسي، فيكون في يده التمر أو الرطب وفي اليد الثانية القهوة وفناجينها، ويبدأوا في احتساء القهوة، بعد ان يأكلوا الرطب أو التمر، وكل من يمر في ذلك الشارع غير المخطط له جيداً والذي لا يتسع إلا لمرور سيارة واحدة فقط، ينزل ويأكل من التمر ويشرب تلك القهوة، بل وحتى الطلبة التي يذهبون الى مدرسة النعيم الثانوية اعتادوا ان يمروا أمام تلك المجموعة من كبار السن فيلقون عليهم التحية والسلام، فيرد أحد الرجال الكبار الجالسين على الكرسي وعليكم السلام اتفضلوا. أما الحاج مهدي الذي فارق الحياة يوم الجمعة من الأسبوع الماضي، فكان رغم أنه كفيف البصر، يعرف بمجرد ان يسمع صوت السلام يعرف من هو الذي ألقاه، وإذا افتقد صوتك يومين أو أكثر فإنه لابد ان يسأل عنك، فكان يمارس دور الأب لجميع أبناء المنطقة، يحزن حين تكون هناك مصيبة ألمت بأي أحد من جيرانه، ويفرح لفرحهم. ما دفعني لكتابة هذه المشاهد من منطقتي هو إننا بدأنا للأسف نفقد شيئاً فشيئاً من هذه المظاهر، فبدأ الناس والجيران لا يلتقون إلا ما نذر، والسؤال عن بعضنا بعضاً قل، كل هذا يؤثر فيمن كان يتذكر حلاوة السؤال عنه. انهم رجال مضوا عنا ولابد ان نفكر جيداً في ان نبقى على منوالهم لأنهم لا يعرفون الغل، ولا الأحقاد ولا الضغائن. مشاهد الماضي ورجالاتها بدأنا نفتقدها شيئاً فشيئاً، وهذا يتعين بالمجالس البلدية وبالمؤسسات الأهلية التفكير في ان يجعلوا من هذه الذكريات نبراساً للاقتداء وللحفاظ عليها من النسيان.
منقول عن جريدة الأيام الأحد 20 يوليو 2008 |