الرئيسية | التقويم الشهري | راسلنا
 
ملف خاصملف الشيخ أحمد مال الله
 
بالبحراني جداً يا شيخ أحمد
حسين المحروس - 2006/04/30 - [الزيارات : 5283]
بالبحراني جداً يا شيخ أحمد


حسين المحروس


بالبحراني جداً قال لي الشيخ أحمد مال الله مرّة "تعال أعلّمك الململة" ثمّ منحني ابتسامة خفيفة، نقطةً شفوية معلنة انتهاء جملته. وفي المسافة بين رغبته ورغبتي عرف كلّ شيء، بينما يجلس ولده عبد الأمير و صادق الغريفي يتنافسان في حفظ قصائد من ديوان المدح والرثاء، وديوان الجمرات الودية للشاعر ملا عطية الجمري.
في مطلع السبعينات كان الشيخ يختفي كثيراً، ويظهر قليلاً. لا أعرف! لكن خروجه لم يكن هادئاً قطّ. سيارة محمّلة بالحقائب قرب باب بيت أبيه الحاج محمد علي مال الله، نساء بعباءاتهن السوداء عند بعض زوايا الحيّ بينما يضجّ البيت بالحيوية وبشيء من رائحة السفر. سمعت أنّه يسافر، ويحمل عائلته كلّها، لكني لم أكن أعرف أين جهة الشيخ؟ ولا سرّ هذا الغياب المتكرر. حينها لم أكن أعرف أنّها النجف.
لا يفصل بين بيته الخشبي، وبيتنا الخشبي أيضا غير "رادّة" مجموعة سعف مرصوص بحبال، تمنع الرؤية ولا تمنع الكلام. يعبر صوته إلى بيتنا بالتحية والسلام على جدتي وأمّي، وقد تعبر الكهرباء لو كانت هناك مناسبة في بيتٍ الحبّ فيه هي الكهرباء. وقد تسقط هذه "الرادّة" فيعالجها الشيخ بضحكة تجعل أمنية هذا البيت: لو تسقط "الرادة" كلّ يوم فتردنا من الشيخ ضحكة.. لو... !!
قيل له مرّة: "أنّ عبد الأمير خرج إلى البحر ولم يعد" ربّما لا أحد يعرف أننا كنا نطارد كلّ موجة ترتدّ إلى البحر، ونفرح بكلّ قارب "يلوف" وحده دون ربّان، ودون هدىً وقد ملّ الحبس الطويل، وملّ حركة الماء أسفله. عندما يلوف القارب نرى فيه كلّ واحد من أطفال الحيّ غادر أبوه إلى العمل، وليس لديه جهة غير البحر القريب جداً.
عاد عبد الأمير ظهراً مبتل الثياب بماء البحر المالح. نال عقابه الشديد من شيخ رحيم. تجاوز صوت بكائه "الرادة"!! أمام البحر لا أحد يتذكّر عاقبة التسمّر عنده طويلاً.

غدا الشيخ معروفاً، وسرعان ما صار له طريقة في الخطابة، وأخرى في الترنم بالشعر الفصيح والشعبي في مطلع ونهاية كل مجلس. قلّده كثيرون، ولم يستطع تلاميذه ومجاوروه تجاوز طريقته. يمكننا جميعا محاكاته وتقليده، لكن لا أحد يقدر على تقليده في بياض قلبه، ولا في أن يكون الشيخ مال اللّه.
ولا في تقليده في عدم الانتماء السياسي، على الرغم من سجنه ومراقبته واستدعائه كثيراً من رجال المخابرات، وتفتيش بيته.
ولا في تقليده في رفضه للسيطرة على الأجيال القادمة.
ولا في تقليده في ابتعاده عن قضايا الفرقة الداخلية.
ولا في تقليده في ابتعاده عن قضايا الإخبارية والأصولية.
ولا في تقليده في نبذه للأبوية.
ولا في تقليده في كرهه للزعامة الدينية.
ولا في تقليده في احترام اتجاهات الشباب الفكرية.
ولا في تقليده في محاربته للبغض ومحبته للسلام.
ولا في تقليديه في تواضعه.
لا أجد أحداً يشبهه في هذا الحي، ولا في خارجه.
ما بال هذا الشيخ يقرأ ويخطب في الناس ويشتغل في النجارة، ويتبضع بنفسه، ويأخذ أولاده إلى المستشفى؟! لم أره ساكناً لحظة واحدة.
ممتع في قراءته جوار الغليون بنظراته وقميصه الأبيض. فجأة يضحك ويخبر مَنْ هم حوله عن سبب ضحكه. يرجع لتدخين الغليون، ولصفحات الكتاب. وبأدوات نجارته المكتملة يقرر أن يجعل لكلّ هاتف في البيت رفّه الخاص، الذي يحتمله ويخفي دليل الهاتف فيه. رأيته يحمل الخشب إلى الحاج ميرزا عبد الحسين لتعمل فيه آلات النجارة ما تعجز عنه الأيدي.

بالبحراني جداً.. حبّيناك واجد..
نشر:
 
 
اكتب تعليقك هنا
الاسم
المدينة
التعليق
من
رمز التأكيد Security Image
 
 
أقسام الشبكة
 نبذة تاريخية أنشطة وفعاليات
 مقالات تعازي
 شخصيات أخبار الأهالي
 إعلانات النعيم الرياضي
 تغطيات صحفية ملف خاص
 خدمات الشبكة المكتبة الصوتية
 معرض الصور البث المباشر
 
جميع الحقوق محفوظة لشبكة النعيم الثقافية © 2003 - 2025م